نقلاً عن العدد الإسبوعى
أخيراً وضعت الحرب أوزارها، ضاع حلم المصريين فى رؤية انتصار يخرج بهم من حالة الضنك والاكتئاب وينتشلهم من همومهم اليومية ومعاناتهم ومكابدتهم من أجل مواجهة ضرورات الحياة.. بينما وجد أشقاؤنا الجزائريون فى فوزهم على مصر ما يمكن أن ينسيهم ويشغلهم عن التفكير فى أو مواجهة نفس المشاكل التى يعانيها إخوانهم فى مصر على مدى عام كامل أو أقل قليلاً. هذه مقدمة قصيرة أستهل به مقالى هذا الذى أحاول أن أفسر فيه للقارئ سر نشوب هذه الحرب الضروس بين مصر والجزائر.
الراصد للعلاقات المصرية الجزائرية على مدى السنوات الأخيرة يستطيع الجزم بأنها استمرت فى النمو والازدهار على جميع المستويات فى عهد الرئيسين مبارك وبوتفليقة ومنذ دخول مصر كأول مستثمر عربى فى الجزائر منذ أواخر التسعينيات فى مجالى الاتصالات والمقاولات فى بداية الأمر وصولا إلى جميع المجالات بعد ذلك. ففى ربيع عام 2006 وبعد رحلة علاج طويلة قضاها الرئيس الجزائرى فى باريس قام الرئيس حسنى مبارك بزيارة ودية للجزائر للاطمئنان على صحة بوتفليقة وحظيت الزيارة بترحيب جزائرى كبير حيث كان مبارك أول زعيم عربى يقوم بهذه المبادرة.
استمرت العلاقات فى التقدم وجذبت الجزائر مزيداً من الاستثمارات المصرية إليها وأثبت المصريون كفاءة منقطعة النظير وقدموا خدمات مميزة استحوذت على ثقة الجزائريين الذين حملوا فى أيديهم أول موبايل عبر شركة «جيزى» التى تملك أوراسكوم تيليكوم أكثر من 96 بالمائة من أسهمها. كما نفذت شركة المقاولون العرب مشروعات عملاقة من بينها تشييد مبنى وزارة المالية بالجزائر العاصمة وإقامة عدد من المطارات المدنية فى عنابة والمساهمة فى تشييد وإقامة العديد من الطرق والجسور.
لم تتوقف العلاقات عند هذا الحد بل امتدت لتشمل صناعة الدواء ومعدات الصيد البحرى والزراعة ووصلت قيمة الاستثمارات المصرية فى الجزائر إلى ما يتراوح بين 5 إلى 6 مليارات دولار. وقد بلغ هذا التعاون العظيم ذروته عام 2008 حيث انعقدت اللجنة المصرية - الجزائرية المشتركة برئاسة رئيسى حكومتى البلدين بالجزائر العاصمة وتمخضت عن التوقيع على 18 اتفاقية ومذكرة تفاهم وبروتوكول تعاون بين الجانبين تغطى جميع المجالات.
وأصبحت مصر منذ ذلك التاريخ المستثمر العربى الأول فى الجزائر خارج نطاق المحروقات - النفط والغاز - فى حين عجزت دول عربية عديدة عن مجاراة مصر أو منافستها فى السوق الجزائرية، وهو ما ولد نوعا من الحقد والغيرة لدى كثير من الأطراف التى كانت تريد الاستئثار بالكعكة الجزائرية، كان على رأسها الدولة القطرية.
وأمام عجز الشركات القطرية عن منافسة نظيراتها المصرية بالطرق المشروعة لم تجد أمامها سوى السبل الأخرى أو بمعنى اللجوء إلى المنافسة غير المشروعة وغير الشريفة. حيث وجدت ضالتها فى الإعلام وخاصة الصحف وكونت «لوبيات» لها داخل عدد غير قليل منها لدس الأخبار والتصريحات التى تشوه صورة مصر تارة أو تنال من الجزائر على لسان مصريين تارة أخرى.
وقد جاءت الحرب الإسرائيلية على غزة أواخر عام 2008 وأوائل 2009 لتمثل «قشة» الإنقاذ لهذه الشركات العاجزة وكانت صحف الجزائر للآسف أكبر الصحف العربية وأكثرها شراسة وضراوة فى الهجوم على الموقف المصرى من الحرب على غزة.
وتم تجنيد أقلام للنيل من رموز مصر وشعبها ومواقفها حتى خيل للجميع أن مصر هى التى تشن الحرب على غزة وليس إسرائيل.
وصادف هذه الحملة الشعواء التى مولتها شركات قطرية هوى لدى القيادة السياسية فى الجزائر التى استثمرت فيها هى الأخرى حيث كان الرئيس بوتفليقة يستعد لخوض انتخابات الرئاسة لفترة ثالثة بعد أن عدل الدستور لصالحه.. فقد أراد بوتفليقة أن يكون فى خندق شعبه ففتح المجال لكل المسئولين وعلى أعلى مستوى لعقد التجمعات الشعبية من أجل إبراز دعم الجزائر لغزة والتهجم على الموقف المصرى.
وصاحب كل ذلك دعوات بمقاطعة الشركات المصرية حيث رصدت شركة خليجية تستثمر فى الجزائر مكافآت ضخمة لكل موظف من موظيفها إذا جاء بخبر يسىء أو ينال أو يشوه شركة «جيزى» وظهرت صفحات إعلانية كاملة ومساحات على نحو غير مسبوق لشركات خليجية فى صحافة الجزائر وركزت أقلام كثيرة على تخاذل الموقف الموقف المصرى واتهام مصر بالعمالة والمتاجرة بالقضية الفلسطينية وهو ما أغضب القيادة المصرية جداً. فى هذه الأثناء توجهت بعثة من دولة خليجية على أعلى مستوى إلى الجزائر يرافقها عشرات من رجال الأعمال حيث كانت تحمل هذه البعثة سؤالاً واحداً تريد الإجابة عليه هو «لماذا نجحت مصر وفشلنا نحن؟».
التقت البعثة بعديد من المسئولين والشخصيات والصحفيين الاقتصاديين وتم التفكير فى إنشاء «وكالة» عبارة عن تجمع صحفى يضم العديد من الصحفيين الاقتصاديين مهمتهم الترويج لاستثمارات تلك الدولة.. ولا تخلو المهمة أيضا من تشويه صورة كل ما هو مصرى.. وقد كان.
ولم تقف الأمور عند هذا الحد.. فقد جاء وقوع مصر والجزائر فى مجموعة واحدة بالتصفيات المؤهلة لكأس العالم لكرة القدم بجنوب أفريقيا 2010 فرصة ذهبية جديدة للشركات الخليجية التى استثمرت فيها أسوأ استثمار. ورأينا التراشق الإعلامى غير المسبوق وقيام قنوات فضائية خليجية خاصة الجزيرة القطرية بتناقل وبث كل ما يسىء للبلدين بسرعة غير معهودة وبدا الأمر كما لو كان السيناريو موضوعاً سلفاً، إلى أن وصلت الأمور إلى ما هى عليه الآن.
بالفعل نجحت آلة المال الجهنمية فى إيقاع المصريين والجزائريين بقصد وبدون قصد فى هذه الفتنة التى لاتزال مستمرة ولاتزال النيران تتسع ولا يعلم متى وأين سينتهى مداها.
هذه بعض النقاط التى رأيت أن من واجبى إطلاع الرأى العام عليها بحكم إقامتى ومهمتى الصحفية فى الجزائر التى استمرت 4 سنوات «2005 إلى 2009» والتى لم أتعرض فيها لأى مضايقات وكنت أشعر دائماً أننى فى وسط أهلى وإخوانى.